زار نائب مدير الاستخبارات الألمانية أولي ديال بيروت واجتمع مع نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في زيارة ثانية بعد لقائهما الأول قبل نحو نصف عام.
وذكرت «الأخبار» أن ديال التقى قاسم مجدداً مساء السبت الماضي، وأمضى بضع ساعات في لبنان مع فريقه قبل أن يغادر صباح الأحد عائداً إلى برلين من دون لقاء أي مسؤول لبناني. وفيما رفض الطرفان التعليق على اللقاء أو تأكيد صحته، نشر موقع «ليبانون برايفت جيتس» خبراً على حسابه على منصة «إكس»، عصر الأحد، يفيد بأن طائرة تستخدم كغطاء لجهاز الاستخبارات الفيدرالي الألماني (بي إن دي) هبطت في مطار بيروت الدولي لبضع ساعات ليل السبت ـ الأحد، قبل أن تعود إلى ألمانيا.
وتؤكد مصادر مطلعة على أجواء اللقاء بين ديال وقاسم، بحضور مدير محطة بيروت في الاستخبارات الألمانية، أن «أجواء الجلسة كانت إيجابية»، حيث عرض الطرفان وجهات نظرهما بشأن الأحداث الجارية في المنطقة والمعركة في غزة وجنوب لبنان. وأكدت المصادر أن ديال لم يحمل أي رسائل تهديد كما هي عادة المبعوثين الغربيين في لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين، ولم يحمل أي مبادرة شاملة، بل جاء ليكمل مباشرة اللقاء الأول، وما بدأته وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال زيارتها الأخيرة لبيروت مع المسؤولين اللبنانيين، عبر «الوساطة».
وبحسب المعلومات فإن الزيارة الاستطلاعية للمبعوث الألماني تأتي استكمالاً لتساؤلات بيربوك حول الفكرة الأساسية لما يمكن فعله في جنوب لبنان لتجنب حرب شاملة، حيث عرض الألمان وجهة النظر القائلة بأن العدو الإسرائيلي يريد إعادة المستوطنين الذين هجروا من شمال فلسطين المحتلة بسبب ضربات المقاومة، وهو يهدد بحرب شاملة لتحقيق هذا الهدف، وأن أي خطأ غير مقصود من قبل الطرفين خلال تبادل إطلاق النار العنيف قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة شاملة، متسائلاً عن كيفية تجنب التصعيد الكبير. ولم يختلف رد قاسم عن موقف المقاومة المعلن أو موقفه في اللقاء السابق في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث كرر أن أي نقاش لوقف إطلاق النار في الجنوب مرتبط بوقف إطلاق نار تقبله المقاومة الفلسطينية في غزة، وأنه إذا كانت الدول الغربية تخشى اندلاع حرب كبيرة، فعليها أن تمارس الضغط على إسرائيل لوقف حربها على غزة، وعندها يمكننا الحديث عن جبهة الدعم في الجنوب. وبحسب المصادر، أكد قاسم للمبعوث الألماني أن تهديدات العدو بحرب شاملة لا تخيف المقاومة القوية والمستعدة، والقوة التي أظهرتها هي التي تمنع الحرب على لبنان. وسأل قاسم الألمان عن المواطنين اللبنانيين الذين اعتقلوا في ألمانيا بتهم تتعلق بالانتماء أو العمل لحزب الله، فأكد ديال أن قضية المعتقلين بيد القضاء وليست ضمن ملفات الاستخبارات الألمانية.
ورغم أن حزب الله ينفي أن يكون أي من المعتقلين اللبنانيين الذين اعتقلوا خلال الحملات على الجمعيات الدينية بعد قرار حظر نشاط حزب الله على الأراضي الألمانية يعمل لصالحه، إلا أن قرار القضاء الألماني إصدار حكمين حتى الآن بحق معتقلين تتهمهم برلين بالعمل لصالح حزب الله، يمكن فهمه على أنه جزء من تفكيك الملف بين برلين وحارة وهاريك، إذ يعني الحكمان أن إطلاق سراح المعتقلين بات وشيكاً بعد أن قضوا جزءاً من عقوبتهم.
إن حرص الألمان على محاولة تهدئة الجبهة الجنوبية وتجنب حرب شاملة عبر التواصل المباشر مع المقاومة، يُظهر أن الدول الغربية الكبرى، بما في ذلك تلك المتورطة في الدعم الأعمى لإسرائيل مثل ألمانيا، أصبحت مدركة لخطورة وجدية اندلاع حرب من هذا النوع، والقدرات التي تمتلكها المقاومة لمواجهتها وتوسيع رقعة النار، بعد أشهر من الترهيب والضغط على لبنان وتبني التهديد الإسرائيلي.
ويشير إصرار ألمانيا على رفع مستوى التواصل مع حزب الله أيضاً إلى قناعة برلين بأن لعب دور فعّال على الضفة الشرقية للمتوسط يتطلب منهاجاً مختلفاً للسياسة الخارجية عن تلك التي اعتمدتها خلال العقد الماضي، وخاصة في إطار السعي إلى دور الوسيط السابق الذي يتواصل مباشرة مع كل الأطراف المعنية من دون قطع الجسور والمواقف العاطفية.
وما يؤكد سياسة الانفتاح الألمانية الجديدة هو تطور التواصل الألماني مع حزب الله من القنوات الأمنية حصراً إلى التواصل السياسي، سواء من خلال اللقاءين الأخيرين بين ديال وقاسم، أو من خلال اللقاءات التي تتم بين الحين والآخر بين ممثلي السفارة الألمانية في بيروت وممثلين عن حزب الله، والتي تندرج أيضاً في إطار التواصل السياسي وتبادل الآراء لتقريب وجهات النظر.