وبعد النشيد الوطني اللبناني، ألقى الوزير المرتضى كلمة استهلها بالقول: “الزمن في الصور. فإذا انزلقت من مكانها وذهبت إلى حيث لا يد تمسكها ولا أذن تسمعها، تبقى رهينة للأبيض والأسود وكل ألوان قوس قزح، سجينة في نبض القلب ومرتفعة على جدار الذاكرة. . وقت المدينة له صوره كما يفعل أهلها. مثلهم له جسم.. يكبر ويشيخ ويهرم، ثم ينهار ثم يرتفع، ويضيق ثم يتسع، حتى يصبح يومه رسولاً بين أمسه وغده، يحمل رسالة الهوى عبر بريد الحنين.”
وأضاف: “بيروت ملكة المدن وسيدة النور والحرية، تبدلت ألوانها على مر الزمن، وبقيت هي هي، تطحن الأيام في ساحاتها وتعجن الزمن خبز الكرامة، ولا شيء أفضل منها… وفي تغير أحوالها تزود الوجود بشيء من بقاياه ليستقيم فيها أفضل حياة، رغم الألم والدمار والاحتلال والتشرذم… بيروت هي الجرح الذي لا يعرف إلا الفرح، والصبح الذي لا يصله غروب، والإنسان الذي لا هم له إلا أن يعقد عهداً قوياً مع الفكر والإبداع والانتماء إلى الخير وثقافة الحق”.
وتابع: «في الطريق منها إليكم، قلت لنفسي: هل صورة بيروت القديمة أجمل حقاً من صورتها عندما بُنيت حديثاً؟ لعل هذا السؤال يختصر هماً أساسياً تتحاشى وزارة الثقافة التطرق إليه، وهو الحفاظ على الكنوز الثمينة للبناء التراثي في العاصمة، من دون منع المدينة من التطور بالشكل الطبيعي للنمو العمراني وازدهار الحضارة، ومن دون حرمان المواطنين من حقهم في الاستفادة من أملاكهم المكفول لهم في نصوص الدستور. إنه الصراع الأبدي بين الأمس والغد، الذي لن ينتهي إلا بزوالهما معاً عندما يزول الزمن. إلا أن وزارة الثقافة كانت وما زالت تسعى إلى التوفيق بين النقيضين، ضمن النصوص القانونية النافذة».
وقال: “مثل ما نحن فيه الآن، يمكن أن يشكل جسراً يحفظ التراث دون أن يمنع الحداثة، ويسكن الماضي في بيوت المستقبل دون أن يلغي الأخير الأول. إنه متحف الذاكرة. نتجول في زواياه ونرى أحوال عاصمتنا، كيف كانت في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. كيف كانت المباني والطرقات والشاطئ والناس عندما كانت بيروت بلدة صغيرة قليلة المنازل. ولعل عرض هذه المجموعة من الصور هنا في هذا المعلم الجميل في شمال لبنان هو تعبير عن حقيقة أن العاصمة تتجاوز حدود نطاقها العقاري، فهي حاضرة في جغرافية البلد بأكمله، كما أنها تضم في قلبها أبناء البلد الذين يأتون إليها من كل حدب وصوب”.
وأضاف: “لا ينبغي أن يقتصر هذا الإنجاز الوثائقي التراثي على صور بيروت وحدها. ففي طرابلس مثلاً، التي تقع من هنا على مسافة موج أو موجتين، هناك كنوز معمارية لا حصر لها ولا مثيل لها، تحتضن العصور القديمة والوسطى والحديثة، وينبغي أن يكون لها تراثها محفوظاً في صور، مثلها مثل غيرها. مدن وقرى لبنانية أخرى. ومن هنا دعوتي القائمين، وإلى كل المهتمين بهذا العمل الثقافي الرائد، وخاصة المجالس البلدية، إلى إقامة معارض ذاكرة شبيهة بهذا المعرض، خاصة بكل قرية أو منطقة، لأن الوجوه تنطفئ. تختفي الأسماء، وتتغير الأماكن، وتضعف الذاكرة وتنسى. فإذا أحاط به إطار وأحاط به مكان… فإنه يبقى وينتقل عبر الأجيال».
واختتم المرتضى: “إلى القائمين على هذا العمل الرائع، هنيئاً لكم ما فعلتم وما ستفعلون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
أضفه
وقد ألقى مؤسس متحف نابو كلمة ترحيبية قال فيها: “في كتاب الأرض والكتاب للمبشر والرحالة البروتستانتي ويليام تومسون، ورد عن بلادنا: إنهم لن يكونوا شعباً واحداً أبداً ولن يتحدوا أبداً من أجل هدف ديني أو سياسي مهم، وبالتالي سيظلون ضعفاء، غير قادرين على حكم أنفسهم ومعرضين للغزو والاضطهاد من الغرباء”.
وتابع: “يذكر الآثار الفينيقية والرومانية والإسلامية في بيروت، لكن هذه البيوت وأسقفها هدمت، وعلى مرفأ بيروت وبوابتها الفينيقية وعلى أنقاض بيوت العاصمة أقيمت تلك الأبنية الشاهقة في غياب أي تنظيم مدني يراعي تاريخ المدينة. ونحن في نابو نؤمن بأن اختلاف الرأي يشجع على الإبداع، وأنه من دون الفن والثقافة لن يكون هناك اقتصاد حي ولا إدارة جيدة لهذا البلد. والخراب الذي نراه على كافة المستويات هو نتيجة الجهل والأنانية والجشع.. والثقافة هي الدواء لذلك”.
وشكر “من ساهم في وضع اللبنات الأساسية لتحقيق هذا الحلم، وكأنهم يقولون لتومسون: نحن شعب واحد ولسنا ضعفاء، وسنظل مصممين على زرع الأمل، كما قال شكسبير في مسرحيته كل شيء على ما يرام إذا انتهى على خير، ولا يوجد إرث أغنى من الصدق”.
منيمنة
وكانت كلمة لرئيس جمعية تراث بيروت سهيل منيمنة قال فيها: “لقد أتيحت لي الفرصة للمشاركة في هذا الحدث الثقافي المميز، وهذا المعرض خير دليل على أن الثقافة في أرض مبدعي الأبجدية لا تزال بخير رغم كل الظروف التي مر بها لبناننا”.
الحج
أما المؤلف بدر الحاج، فأشار إلى أن «هذا الجهد في اقتناء الصور هو جهد شخصي بحت»، وقال: «بدأت العمل عليه منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً، والمجموعة التي تضم صور الشام و العراق الآن في متحف نابو”.
وختم: “المسألة ليست في التكاليف المالية لمثل هذا الجهد، بل هي في الأساس البحث المضني والمستمر في المجلات والكتب والمتاحف القديمة، حتى أنني تابعت تاريخ بدايات فن التصوير الفوتوغرافي وتطوره”. في بلدنا، أتمنى أن تنال المشاهد إعجابكم وكيف كانت بيروت وكيف أصبحت، وأترك القرار لكم”.
ويضم المعرض مجموعة كبيرة من الصور، ويستمر لمدة ستة أشهر.