وبناء على هذا الإنجاز الذي اعتبر تاريخياً مقارنة بنتيجة عملية التبادل في 16 تموز/يوليو 2008، بإطلاق سراح “الأسير الأغلى” سمير القنطار الذي أمضى 30 عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ومعه أربعة من أحياء الحزب وجثث 199 فلسطينياً من “مقبرة الأرقام”، وذلك مقابل جثتي جنديين إسرائيليين اختطفا في 12 تموز/يوليو من ذلك العام. وقد أدى ذلك إلى بناء قناة ثقة عميقة بين الطرفين لا تزال مفتوحة حتى اليوم. وهذا ما أعطى الزيارة الأخيرة لنائب رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني أولي ديال إلى لبنان قبل أيام، ولقائه بنائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ومسؤولين آخرين، طابعاً استثنائياً وسط السرية الشديدة التي رافقت الزيارة ونتائجها اللاحقة.
لكن مراجع مطلعة أشارت إلى أن هذه الزيارة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فقد كان في بيروت قبل فترة، عقب الزيارة الأولى لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في التاسع من شباط/فبراير، وقبل زيارته الثانية لها في الخامس والعشرين من حزيران/يونيو، بهدف التشاور مع قيادة الحزب بشأن ما سمي تخفيف التوتر على الحدود الجنوبية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنع حرب شاملة في المنطقة على خلفية منع تورط دول أخرى بعيدة عن المنطقة، بما في ذلك إيران. ولعل تدخلها استدرج قوى دولية أخرى شاركت سابقاً في مواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية ليلة 13-14 نيسان/أبريل، ومنعت 95% منها من الوصول إلى أهدافها في إسرائيل، بعد أسبوعين من الغارة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق.
وفي انتظار معرفة الظروف التي منعت رئيس مجلس النواب نبيه بري من تحديد موعد للقاء الوزيرة الألمانية في زيارتها الثانية، بقي من الصعب الوقوف على تفاصيل لقاءات المسؤولة الألمانية، حيث اقتصر الحديث على تسريبات بسيطة قيل إنها نقلت اقتراحات تتجاوز السعي إلى وقف إطلاق النار في غزة وتداعياته المحتملة على الجنوب، وقيل إن للزيارة أهدافاً بعيدة المدى تتجاوز ما يتم تداوله اليوم حول ما يسمى “اليوم التالي” للحرب، فالجانب الألماني لديه مشاريع أخرى تتعلق بالمرحلة المقبلة تتجاوز ما يتم طرحه على مستوى مجلس الأمن الدولي وجهود الخماسي العربي الدولي من أجل لبنان وقضية انتخاب رئيس، لتمتد إلى مستقبل المنطقة.
وأضافت التسريبات أن المسؤول الألماني تجنب الحديث عن التطورات الراهنة والتهديدات الإسرائيلية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه يعلم أن الخيارات الدبلوماسية لا تزال مفضلة لدى جميع الأطراف، وأن الضغوط الدولية ستمنع توسع الحرب. لكن حزب الله يجب أن يعزز هذه الجهود من خلال التعاون مسبقاً مع أي مشروع لوقف الحرب في غزة، متجنباً المطالب المستحيلة. ولذلك، حمل معه مقترحات لمشاريع عدة يمكن مناقشتها لاحقاً، منها على سبيل المثال ما يمكن أن تكون عليه العلاقات بين إسرائيل وجيرانها، خاصة إذا استؤنفت برامج التطبيع في المنطقة، ثم الانتقال نحو سلام شامل يعزز الإيمان بضرورة التفكير في بناء مشاريع تعزز الثقة بين دول المنطقة وتنعش اقتصاداتها، بما في ذلك الدولة الفلسطينية المستقبلية، ليعترف العالم بـ«مشروع الدولتين» قبل أن تبدي ألمانيا رأيها فيه.
وبناء على ما تقدم، خلصت المراجع الدبلوماسية إلى أن هناك عملية “تسلل ألمانية” تحت غطاء الحراك الدولي بشأن لبنان، في انتظار اللحظة التي تنكشف فيها خططهم لمستقبل المنطقة، وهم على قناعة بقدرتهم على اللعب في “منطقة الجزاء الدولية”، وخصوصاً بالقرب من الشباك الفرنسية والأميركية. وألمانيا على اتصال بالبلدين، إسرائيل والخليج والمجموعات العربية، وعلى تنسيق كامل في عدد من القضايا الدولية.
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
لا يمكن تجاهل دور جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني (بي إن دي) في العديد من العمليات الدولية والإقليمية الكبرى التي ساهم فيها بطرق مختلفة، إلا أن أبرزها وأكبرها كان ما حدث في الشرق الأوسط، والذي خطط له وتعهد بتنفيذه بعناية فائقة، عندما نفذ في سرية تامة أكبر عملية تبادل أسرى بين إسرائيل و”حزب الله” في أوائل يوليو/تموز 2008، نتيجة جهود بذلت على مدى عامين، تم التخطيط للتحضيرات الأولى لها أثناء حرب يوليو/تموز 2006 وقبل انتهائها مباشرة، بينما كان العالم منشغلاً بوضع حد لها حتى صدر القرار 1701 في 12 أغسطس/آب 2006.
المقالات ذات الصلة
اترك تعليقاً